هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أهم صفات الداعية

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمود السعيد
... عــضـو جـديــد ...
... عــضـو جـديــد ...
محمود السعيد


ذكر
مـسـاهـمـَـاتـك : 102
سـنــك : 37
عـَـمـلـك : رسم اوتوكاد
سـجـلـت إمـتـى : 23/05/2010

أهم صفات الداعية Empty
مُساهمةموضوع: أهم صفات الداعية   أهم صفات الداعية Emptyالإثنين مايو 31, 2010 11:16 pm

1الأولى: الإخلاص والتقوى:
إن دعوة الإسلام ليست كأي دعوة من الدعوات
التي يكفي فيها أن يتحدث الإنسان عن دعوته، دون أن يكون مؤمناً بها مخلصاً
لها. عاملاً بصدقٍ بمبادئها.
إن دعوة الإسلام تشترط على أصحابها، أن
يكونوا أتقياء في أنفسهم، صادقين في دعوتهم، مخلصين في نياتهم،كي يحققوا
نجاحهم في دعوتهم، وينالوا أجرهم عند ربهم.
وهذا شرط في كل عمل من أعمال
الإسلام، ومن أجلّها الدعوة إلى الله تعالى.
قال تعالى: {أَلاَ لِلّهِ
الدّينُ الْخَالِصُ} (الزمر/ 3)
وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (الزمر/ 11)
وكلما كان
الإخلاص أصدق، والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم، والأجر أكبر.
والتقوى
لازمة للداعية، لزوم الماء للشجر، والروح للجسد، وهي العمل بدين الله
ظاهراً وباطناً، وبخاصة فيما يدعو إليه، وإنّ امرءاً لا يعمل بما يدعو
إليه، حري أن لا يوفقه الله عز وجل إلى ذلك، ولا يقبل منه عمله.
قال
تعالى: {إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ} (المائدة/ 27)
ولأهمية
التقوى: جاء الخطاب بتقوى الله مفرداً بسيد الدعاة رسول الله ? في أول
سورة الأحزاب {يَا أَيّهَا النّبِىّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ
الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}
(الأحزاب/ 1)
ولا شك أن الأمة كلها مطالبة بهذا، لكن توجيه الخطاب للنبي
? له مقصود كذلك.
وبالتقوى، يحصل توفيق عظيم، وسداد للأقوال، وإصلاح
للأعمال.
قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ
وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً
عَظِيماً} (الأحزاب/ 70- 71)
وبالتقوى يعين الله الداعية، ويهبه ملكة
التفريق بين الحق والباطل.. والخلاص من المواقف المحرجة.. فضلاً عن تكفير
سيئاته، ومحو زلاته.
قال تعالى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن
تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ
سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
(الأنفال/ 29)
وفضلاً عن هذا كلِّه؛ فإن لتقوى الداعية أثراً بالغاً في
المدعوين، فإن النفوس جُبلت على قَبُول دعوة الصادق، والنفور من دعوة
الكاذب، ولا مقياس للصدق والكذب عند معظم المدعوين إلا أفعال الداعية،
ومطابقتها لما يدعو إليه.
فإن العمل بما يُدعى إليه، يوحي إلى الناس صحة
الدعوة، وصدق الداعي، مما يُورث القَبُول عندهم.
وعدم العمل بالعلم،
وما يدعو إليه الداعية، يوحي إلى الناس فساد الدعوة، وكذب الداعي، مما
يُورث النفور و الاستهجان.
ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،
متنبهين أشد التنبه لهذا.
فكان أحدهم -وهو نبي الله شعيب? يقول لقومه?:
{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}
(هود/88)
بل إن الأنبياء والرسل جميعاً، كانوا يتصفون بالصدق قبل
بعثتهم، وما صفة الأمين التي وُصِفَ بها النبي ? قبل بعثته بغائبة يومئذ عن
أذهان العرب[1] وكذلك قول قوم صالح لصالح: {يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا
مَرْجُوّاً قَبْلَ هََذَا} (هود/ 62)
فهي شهادة من أعدائه بصدقه، وعلوِّ
منزلته فيهم قبل البعثة.
هذا من جهة المدعوين، وأما من حيث ربُّ
الدعوةِ والمدعوين وأجره، فإن للداعية العامل بما يدعو إليه أجراً عظيماً
عند الله.
وقد سبقت الأدلة على ما للداعية من أجر عظيم على دعوته،
وإخلاصه في باب فضل الدعوة، مما لا حاجة لتكرارها.
وكما أمر الله عز وجل
بالعمل بما يدعو إليه الداعية، حذر من مغبة عدم العمل بما يدعو إليه.
قال
تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ
تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ
تَفْعَلُونَ}(الصف/ 2- 3)
وقال r :"يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في
النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برَحاه، فيجتمع أهل
النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن
المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه"[2].
فحري
بالداعية أن يكون تقياً، كيما يقبل الناس دعوته، ولكي يقبل الله عمله.
وأي
ثمرة يجنيها الداعية - إذا لم يكن تقياً - واستجاب له كثير من الناس، ثم
جاء يوم القيامة صفر اليدين، قد أبطل الله عمله، لعدم إخلاصه، وقلة تقواه.
وفضلاً
عما للتقوى من أثر في التوفيق، وأجر عند الله.
فإن التقوى من أعظم
عوامل الثبات على الطريق في وجه الأعاصير، ومن أقوى دروع وقاية الداعية من
كيد الأعداء.
قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ
كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (آل عمران/120)
وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنّ فِى
أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً
وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ}(آل
عمران: 186)
فجعل سبحانه الصبر والتقوى أهم أسلحة الداعية في مواجهة
الفتن، والثبات على الحق.
الصفة الثانية:العلم والفقه بما يدعو إليه:
إن
من أعظم ضروريات الدعوة إلى الله تعالى أن يكون الداعية عالماً بعامة،
مدركاً لما يدعو إليه ، فقيهاً فيه بخاصة.
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِى
وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108)
والبصيرة
أخص من العلم العام، وفيها معنى زائد عليه، فهي تعني: البينة والإدراك، و
الوضوح، والفهم، واليقين..[3]
ومن البصيرة؛ أن يدرك الداعية عوقب الأمور
، وأن لا يغفل عن النتائج في أقواله وتصرفاته.
قال ابن تيمية: (فلابد
من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق
معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال؛ وهذا
كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً؛ ذكره القاضي أبو يعلى في
المعتمد: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر
به؛ فقيهاً فيما ينهى عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقاً فيما ينهى عنه؛
حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه")[4].
فالفقه قبل الأمر،
ليعرف المعروف وينكر المنكر، وهذا شرط من شروط الدعوة إلى الله، وواجب من
واجبات الداعية أن يكون الداعية مدركاً لما يدعو إليه، متحلياً بالفطنة،
متسلحاً باليقين، ثابت الخطوة، واضح الرؤية في دعوته، ومدعويه، وفيمن حوله
من أصدقاء وأعداء ، وما يقع من أحداث.. ، فكل هذه المعاني تتضمنها
((البصيرة)) فهذا الشرط الذي ألزم الله به الدعاة في دعوتهم.
ولهذا؛ فلا
يجوز للمسلم أن يدعو إلى الله إلا بعد أن يحمل قدراً من العلم يكفيه في
دعوته، وفهماً ووضوحاً ينير له طريقه.
فالعلم يسدد له مسيرته، والفهم
يوضح له رؤيته، فمن لم يحمل العلم في دعوته انحرف، ومن لم يكن على بصيرة
تعثر.
وفضلاً عن هذا، فإن للداعية بغير بصيرة إثماً عند الله،.. لمخالفة
أمر الله، ولأن فاقد البصيرة (العلم والفهم) لا يُضل نفسه فحسب، بل يُضل
معها غيرها ممن يدعوهم.
{وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللّهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّبِعُ كُلّ شَيْطَانٍ مّرِيدٍ} (الحج: 3)
فلربما
جعل الأمر نهياً، والنهي أمراً، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة
بدعة، والبدعة سنة.
ولربما دعا إلى أمر غير مشروع، باسم الدين، كمن يخرج
على الحاكم المسلم العاصي، وكمن يعلم الناس الضلال والابتداع باسم الدين،
كالخوارج والمعتزلة، وغلاة الصوفية والروافض.
ولذلك حذر الله من أمثال
هؤلاء فقال سبحانه:
{وَإِنّ كَثِيراً لّيُضِلّونَ بِأَهْوَائِهِم
بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 119)
وقال تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَن
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}
(لقمان: 6)
وقد عدّ الله كل قول بغير علم افتراءً، فكيف إذا كان في
الدين والدعوة إليه.
قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ} (الإسراء:36)
وقال سبحانه بعد أن عدّد بعض أقوال الكافرين
وأفعالهم الكفرية قال: {قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوَاْ أَوْلاَدَهُمْ
سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَآءً
عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (الأنعام: 140)
وقال
تعالى: {قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ
بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ
مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33)
ولذلك أمر رسول الله ? من سمع
مقالته أن يعيها حين يبلغها، فقال ? "نضر الله امرءًا سمع منا شيئا فبلغه
كما سمع، فرُبَ مبلغ أوعى من سامع"[5].
ولأهمية هذا؛ عقد الإمام البخاري
باباً في صحيحه ((باب العلم قبل القول والعمل))، فإن العلم يسدد القول،
ويصوب العمل.
قال العسقلاني: ((قال ابن المنير: أراد به: أن العلم شرط
في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما)) [6].
قال
أبو حيان الأندلسي: ((لأن الدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن
المنكر، لا يصلح إلا لمن علم المعروف والمنكر، وكيف يرتب الأمر في إقامته،
وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما أمر بمنكر، ونهى عن معروف.. وقد يغلظ في
مواضيع اللين، وبالعكس))[7].
ومن الجدير بالعلماء تنبيه الناس في هذا
المقام إلى أمرين:
الأول: أن الحفظ غير الفقه، وأن البصيرة درجة زائدة
على العلم، فإن كثيرًا من الناس يظنون: أن مجرد الحفظ هو العلم، وهذا هو
الذي أوقعهم في التعالم، ودفعهم إلى التقول على الله مالم يقل، وإصدار
الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهو يظن بحفظه هذا، أنه عالم بل
علامة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فرب رجل يحفظ حروف العلم التي
أعظمها حفظ حروف القرآن، ولا يكون له من الفهم..))[8].
فليس كل حامل علم
يحمل فقهاً، وبصيرة، فحمل العلم شيء، والفقه فيه، والبصيرة بإعماله شيء
آخر.
الثاني: التنبيه إلى الفرق بين العلم وبين التعالم، أو بين العالم
والمتعالم، والتأكيد على ذلك في الدروس والخطب واللقاءات[9]
فإن كثيراً
ممن يَدْعون ويَضلون ويُضلون يظنون أنهم علماء، وهم متعالمون، وذلك لعدم
تفريقهم بين العلم والتعالم، كالخوارج، والمعتزلة، والجهمية، وإخوانهم من
كل فرقة، ولذلك يجب التركيز في دروس العلماء على بيان الفروق بين العلم
والتعالم، وبين العالم والمتعالم، فإن كثيراً منهم أصحاب نيات حسنة، فلعلهم
يرجعون.
ومن الجدير ذكره - قبل نهاية هذا الباب -: أن شرط العلم، ليس
على إطلاقه؛ بأن يكون كل داعية عالماً بجميع العلوم.
كلا، بل الشرط أن
يكون الداعية عالماً فيما يدعو إليه.
وكلما كان الداعية أعلم، كان أفضل،
ورُبَّ داعية عنده بصيرة وعلم فيما يدعو إليه، خير من عالم نحرير فاقد
للبصيرة.
والمقصود بالعلم العام -الذي أُلمح إليه في أول هذا الباب -أن
يكون لدى الداعية علماً عاماً بالتوحيد، وأنواعه، وأركان الإيمان،
والإسلام، وأسس الدين وأصوله العامة، كالاتباع والابتداع، ومعنى العبادة
وأنواعها، وأحكامها وجوباً ونفلاً.. ومعرفة الأحكام الخمسة وتعريفها..:
الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، وما شابه ذلك.
وإذا تعين
على المسلم بيانُ أمر، أو النصحُ به، أو الأمر به، أو النهيُ عنه، وكان
يعلمه علماً صحيحاً، وجب عليه أداء الأمانة على قدر ما علم، ولا يشترط في
الداعية أن يكون عالماً مطلقا، ولا أن يعلم تفصيل ما سبق.
الصفة الثالثة
للداعية:الصبر والحلم:
إذا كان العلم شرط الداعية إلى الله، وسبباً في
سداده، فإن الصبر عتاده وسلاحهُ، ولا قتالَ بلا سلاح، ولا مواجهة بلا عتاد.
وإذا
كانت البصيرة واجبة على الداعية، وهي نوره في دعوته، فإن الحلم وقوده
وزاده.. ولا سير بلا وقود، ولا حركة بلا زاد.
ومن قاتل بغير سلاح فشل..
ومن سار بغير وقود انقطع..
لأجل هذا كان من أوائل ما نزل على رسول الله
?، الأمر بالصبر مقروناً بالدعوة إلى الله {يَأَيّهَا الْمُدّثّرُ* قُمْ
فَأَنذِرْ* وَرَبّكَ فَكَبّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ* وَالرّجْزَ
فَاهْجُرْ* وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ} . (المدثر:
1-7)
وقال r : "وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"[10].
والصبر
في باب الدعوة إلى الله يعني: ضبط النفس على الاستمرار في طريق الدعوة
مهما لاقت، وحبسها عن الإساءة للمدعوين قولاً وفعلاً، والصبر يعني: عدم
الانتقام حين الأذى، وعدم الانقطاع عن الدعوة حين الملل، وعدم اليأس حين
الفشل.
وبعبارة أخرى: عدم الاستجابة لردود فعل النفس، والتسرع في التصرف
حيال المواقف.
لذا كان القرآن والسنة حافلين بالاهتمام بالصبر، لما له
من أثر كبير في استمرار الداعية، وعدم نفور المدعوين.. وقبول الدعوة إلى
الله تعالى.
ولذلك عدَّ الله سبحانه الصبر مع التقوى من عزائم الأمور،
قال تعالى:{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الاُمُورِ} (آل عمران: 186)
بل جعل الله الصبر على الأذى من منهج
الأنبياء، فقال سبحانه عن الأنبياء: {وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ
آذَيْتُمُونَا} (إبراهيم: 12)
ومن المعلوم أن نقيض الصبر؛ التضجر
والانقطاع.. ومن تضجر نفر الناس منه، ثم انقطع عن دعوته، فخسر نفسه
والمدعوين معه.
ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد، ولم يتسرع في تصرف بسبب
فقدانه الصبر، ربما انعكس على الدعوة بالسوء، والتراجع.
ومن لم يصبر
ويحلم عمن آذاه انتقم لنفسه، ومن انتقم لنفسه، خسر نفسه ودعوته، وأجره عند
ربه.
ولذلك قرن الله بين الصبر والحلم والعفو، وعد ذلك من عزم الأمور،
فقال سبحانه:
{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ
الاُمُورِ} (الشورى: 43).
وقال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
{فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ
إِبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ} (التوبة: 114)
والحلمُ شعبةٌ أساسٌ من
شعب الصبر.
قال أهل اللغة: الحلم: الأناة والعقل، وحَلُم: تأنّى وسكن
عند غضب، أو مكروه، مع قدرة، وقوة.
والحليم: الذي لا تستخفه الأفعال
المؤذية، ولا يستفزه الإغضاب [11].
وقد أفاد العلماء: أن العلم والفقه،
يكونان قبل الدعوة، ليكون الداعية ذا بصيرة قبل أن يخطو في دعوته، حتى لا
يزل.
ويكون الصبر، أثناء الدعوة، لكي يتحمل ردود فعل المدعوين، من أذى
واتهام، ولكي يستمر في دعوتهم، ولا يتضجر منهم، ولا ينقطع عنهم..
ويكون
الحلم بعد الدعوة، كي لا يحقد على من سخر منه، أو استخف به، ولا ينتقم ممن
آذاه.
بل على الداعية أن يتوقع الأذى، وأن يعد له عدته من الصبر والحلم،
فهذه هي عزائم الأمور، لا غير ذلك من التضجر والحقد، ومد اليد والانتقام
التي هي سبب الخور، والفشل.
لأجل هذا أمر الله الدعاة بالصبر على ما
يلقونه من أذى.
قال تعالى حاكياً قول لقمان لابنه: {وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ
إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (لقمان: 17)
ولما أمر الله تعالى
نبيه بالدعوة إليه، أرشده إلى وجوب الصبر فيها، فقال سبحانه:
{وَاصْبِرْ
عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (المزمل: 10)
ونبه
الله عز وجل رسوله ? والدعاة من بعده، بما كان من أمر نبي الله يونس عليه
الصلاة والسلام إذ لم يصبر في دعوته فكان من أمره ما كان.
فقال تعالى:
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (القلم: 48)
إذ خرج من سعة الدعوة والأنوار، إلى ضيق بطن الحوت والظلمات.
وهكذا شأن
كل من لا يصبر على الدعوة إلى الله، ويستبدل سلاح العنف والتطرف والمواجهة،
بسلاح الصبر والحلم[12].
وهؤلاء الذين يتعجلون في المواجهة، إنما
تعجلوا فيها، لأنهم فشلوا في مجال الدعوة، ولم يصبروا عليها، فتحولوا إلى
المواجهة، فكان الفشل أبشع، والنتائج أشنع.
ولم يكتف الله عز وجل بالأمر
بالصبر في الدعوة والحلم فيها، بل أمر بمقتضاهما من عدم الرد على أذى
المدعوين ، وعدم الالتفات إليهم، قال تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ
بِاللّهِ وَكِيلاً} (الأحزاب: 48)
أي: امض في دعوتك، وثابر في تبليغك،
متوكلاً على خالقك، غير ملتفت إلى عناد المعاندين من الكافرين، وخداع
المخادعين من المنافقين، ولا تكترث بأذاهم، ولا تنشغل عن دعوتك بكيدهم.
وهكذا
كانت سيرة الأنبياء من قبل، لا يعرفون في سبيل الدعوة إلى الله عنفاً، ولا
انتقاماً.. إلا صبراً وغفراناً، ولذا لم نجد نبياً من الأنبياء، واجه - من
يدعوهم - بالقوة المادية في مقام الدعوة على الإطلاق، قال تعالى منبهاً
نبيه الكريم ومن تبعه إلى ذلك: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ
الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ}(الأحقاف: 35)
فهذا نوح عليه الصلاة والسلام،
مكث في قومه تلك المدة الطويلة، ألف سنة إلا خمسين عاماً،لم يضرب أحداً،
ولم ينتقم من أحد، على كثرة ما أوذي، وعلى شدة ما سُخر منه.
وكذلك
الأنبياء؛ إبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم الصلاة والسلام جميعاً، لم يُعرف
عنهم إلا الحلم على الناس، والصبر على أذاهم.
وأما رسول الله ? وصحبه
الكرام فقد ضربوا المثل العظيم، والقدوة المثلى في الصبر، والحلم على الذين
آذوهم في الدعوة إلى الله تعالى، مع القدرة على أخذ الحق.
فعن عائشة
رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله ? شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا
خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه،
إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل"[13].
ومن ذلك ما
جرى يوم فتح مكة وغيرها من المواقف النبيلة، والأخلاق الرفيعة، من العفو
والصفح بل والإكرام، بعد ما فعل أهل مكة بالنبي ? وصحبه ما فعلوا.
ولما
كان الاستعجال ناقضاً من نواقض الصبر، فقد حذر الله منه أشد التحذير بكافة
أصنافه.
قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ
الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ} (الأحقاف: 35)
أي: ليكن الرسل
الأولون قدوتك في الصبر على الدعوة إلى الله، وعدم الاستعجال لهم، قال
القرطبي: ((ولا تستعجل لهم، قال مقاتل: بالدعاء عليهم، وقيل: في إحلال
العذاب بهم))[14] وكذا قال ابن كثير[15].
وقال البقاعي في نظم الدرر:
((ولما أمره بالصبر الذي من أعلى الفضائل، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات
الرذائل، ليصلح التحلي بفضيلة الصبر الضامنة للفوز والنصر: فقال: (ولا
تستعجل لهم(، أي: تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئا مما يسوءهم في غير
حينه الأليق به))[16].
قال سيد قطب عند تفسير هذه الآية: ((ألا إنه
لطريق شاق.. طريق هذه الدعوة، وطريق مرير، حتى لتحتاج نفس كنفس محمد ? في
تجردها وانقطاعها للدعوة، وفي ثباتها وصلابتها، وفي صفائها وشفافيتها،
تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر، وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة
المتعنتين، نعم، وإن مشقة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة، وإن صعوبته لتحتاج
إلى صبر، وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة، من رحيق العطف الإلهي
المختوم))[17].
بل ذهب الإسلام إلى أبعد من هذا.. ذهب إلى منع الدعاء
عليهم حال الدعوة وعدَّ ذلك صورة من صور الاستعجال، فقد أخرج البخاري عن
خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله ? وهو متوسد بردة في ظل الكعبة،
فقلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لناr قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر
له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما
يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه من عظم أو عصب، وما
يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى
حضرموت، لا يخاف إلاّ الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"[18]
ففي
هذا الحديث العظيم؛ منع استعجال الدعاء - مجرد الدعاء على كفار قريش -
وطلب النصر من الله عليهم "ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا".
لأنه
يدل على تضجر المسلمين، وعدم تحملهم تكاليف الدعوة.. لذلك لم يستجب لهم
رسول الله ? طلبهم وحكم عليهم -لما طلبوا الدعاء-أنهم مستعجلون: "ولكنكم
تستعجلون".
ومن أجمل ما يخط هنا -بعد أن خُط في سيرة رسول الله ?
العطرة- أن رهطاً من (دوس) قد أسلموا، فدعوا قومهم (دوساً) فأبوا الإسلام،
فقدموا على رسول الله ?، فقالوا: إن دوساً عصت وأبت، فادع على دوس، فقيل:
هلكت دوس.
قال ?: "اللهم اهد دوساً وائت بهم"[19] فجاؤوا يستبقون إلى
الإسلام[20]
فانظر كيف جاؤوه يطلبون الدعاء على قومهم.. فدعا لهم.
فهداهم الله، فما أحوجنا -معشر الدعاة- إلى هذا الخلق.
كما حذر الله
الدعاة من ردود الفعل، وسلوك مسلك الرعونة، والخفة في الاستجابة لاستفزازات
المدعوين، الأمر الذي يتنافى والصبر.
فقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنّ
وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلاَ يَسْتَخِفّنّكَ الّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} (الروم:
60)
واستفتاح الله عز وجل الآية بالصبر، فيه إشارة إلى اتخاذ الوقاية
من الاستخفاف به.
قال البقاعي في تفسيره: ((ولا يستخفنك))، أي: يحملنك
على الخفة، ويطلب أن تخف باستعجال النصر، خوفاً من عواقب تأخيره، أو
بتفتيرك عن التبليغ))[21]، وقريباً من هذا قال معظم المفسرين.
وقال سيد
في الظلال عقب الآية (ولا يستخفنك) ((إنه الصبر، وسيلة المؤمنين في الطريق
الطويل الشائك، الذي قد يبدو أحياناً بلا نهاية، والثقة بوعد الله الحق،
والثبات بلا قلق، ولا زعزعة، ولا حيرة، ولا شكوك،.. الصبر والثقة والثبات
على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق، وشكهم في وعد الله. ذلك
أنهم محجوبون عن العلم، محرومون من أسباب اليقين، فأما المؤمنون الواصلون
الممسكون بحبل الله، فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين: مهما يطل هذا
الطريق، ومهما تحتجب نهايته، وراء الضباب والغيوم!))[22].
ومن مفسدات
الصبر التي يجب على الداعية أن يحذر منها؛ الغضب، لذا يجب على الداعية أن
يحذر منه أشد الحذر، لأنه يفقد الإنسان سيطرته على أفكاره، وألفاظه،
وتصرفاته، فيدفعه إلى أفعال تفسد عليه دعوته، وتُنفِّر منه مدعويه.
لذلك
نهى رسول الله ? القاضي أن يقضي وهو غضبان.
قال عليه الصلاة والسلام:
"لا يقضي حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان"[23].(91)
ولما طلب أحد الصحابة
وصية من رسول الله ? قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد مراراً "لا
تغضب"[24].
فهذه وصية رسول الله ? في عدم الغضب لكل مسلم.. فكيف
بالداعية.. فأولى بذلك ثم أولى.
وقبل مغادرة هذا الباب ينبغي التنبيه
إلى أمرين.
الأول: التفريق بين مقام الدعوة الذي وسيلته الصبر على
الأذى، والحلم بالمدعوين، وبين مقام القضاء والسلطان الذي من حقه الحكم
والعقاب.
فهذان بابان مختلفان، يخلط بينهما كثير من الناس، فلا يفرقون
بين وجوب الصبر في الدعوة إلى الله، والحلم على المدعوين، وبين مقام القاضي
والسلطان في حال الاعتداء.
وعدم التفريق بينهما أوقع كثيراً من الدعاة
في وضع الأمور في غير محلها، وفي اضطراب في التصرف، وانحراف في المنهج.
الأمر
الثاني: أن الصبر والحلم لا يتأتيان بقراءة الكتب، وحضور الدروس،
والاستماع إلى المحاضرات، وإنما يحتاجان إلى تدرب عليهما، ولا يتم ذلك إلا
بالتربية، وما يقع من كثير من الناس من عدم الصبر والتضجر والانتقام،
والتصرفات المنحرفة إلا لفقدان التربية على ذلك.. وربما فقد ذلك كثير من
الشيوخ أنفسهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، لذا وجب الاهتمام البالغ بالتربية في
منهجنا العملي الدعوي.
آثار الصبر والحلم:
مما لا يخفى أن للصبر
ثماراً عظيمة، وآثارًا حميدة في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا؛ فهي
التوفيق في تبليغ الدعوة، والنصر على خصومها.
قال تعالى: {إِنّ اللّهَ
مَعَ الصّابِرِينَ} (الأنفال: 46)
والمراد بالمعية هاهنا المعية الخاصة
وهي النصر.
وقال r : "وأن النصر مع الصبر"[25].
وما صبر قوم إلا
أفلحوا.. وما تضجر قوم وغضبوا إلا ندموا.
ولولا فضل الله على الأنبياء
بعامة، وعلى نبينا بخاصة بالصبر، لما قامت دعوة، ولما بلغنا دين.
الثمرة
الثانية: محبة الله للصابرين، ومن أحبهم الله أيدهم في الدنيا، ورفع
منزلتهم في الآخرة.
قال تعالى: {وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ} (آل
عمران: 146)
وأما أجر الصبر في الآخرة، فهو أعظم وأطيب.
قال تعالى:
{إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10)
وقال
تعالى: {أُوْلََئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مّرّتَيْنِ بِمَا
صَبَرُواْ}(القصص: 54)
الثالثة: ينير الطريق، ويثبت الداعية.
قال
تعالى عن المؤمنين: {قَالُواْ رَبّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبّتْ
أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:250)
وقال
r : "والصبر ضياء"[26].
ولا َيقِلُّ الحلم ثمرةً في الدنيا والآخرة عن
الصبر، ولولا خشية الإطالة لسردنا ثمراته، وأدلة ذلك.
ومن أجمل ثمار
الحلم؛ محبة المدعوين له، وعدم وجود ردود فعل من الحليم تعرقل دعوته.
وشتان
بين داعية صابر حليم، محبوب بين الناس، مقبول الدعوة، وداعية متضجر، لئيم
الطبع ، ينتقم من الناس، ويكْفَهرُّ في وجوههم.


الصفة الرابعة
للداعية:العفو والصفح:
لاشك أن من لوازم الصبر العفو، ومن مقتضيات الحلم
التسامح، لكن إفراد هاتين الصفتين بالذكر، كان لما لهما من أهمية بالغة في
قبول دعوة الداعية أو ردها.
فقد مضت سنة الدعوة إلى الله؛ في حصول
الأذى بالمدعو، ونزول الضراء به،وقد طبعت النفوس على الإعراض عن المؤذي، أو
الانتقام منه، وجبلت نفوس المدعوين على رد دعوة المنتقم، والنفور منه،
فيخسر حينئذ الداعية، ويفر المدعوون، وتتوقف الدعوة، ولا تتم هداية
المخلوقين.
لذلك أمر الله الداعية بالعفو والتسامح مع المدعوين، حتى
تكون القلوب صافية، والنفوس كريمة، فيقبل المدعوون على الدعوة، ويقبلونها،
ولا ينفرون منها، أو يواجهونها؛ فقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ
ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (الشورى: 43)
وقال تعالى مخاطباًَ
المسلمين عامة، والدعاة خاصة: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ
اللّهُ بِأَمْرِهِ} . (البقرة: 109)
لذلك كان لزاماً على الداعية إلى
الله أن يتحلى بالعفو، وأن يتصف بالتسامح.
وسرُّ ذلك: أن بعض المدعوين
يكونون جهلاء، وأصحاب أهواء، ويرون أن دعوتهم هو تدخل في شؤونهم الخاصة،
وحجز لحريتهم المطلقة.
فيقومون بردود فعل قولية، وأحيانا عملية..تجاه
الداعية من شتم ، أو ضرب ، أو سخرية ، أوحقد.
والعفو والتسامح في مقام
الدعوة يعني: مسح ما يعلق بالقلب من أثر الأذية، وغسل ما في النفس من حب
الانتقام، والإقبال على المدعوين بوجه طلق، ونفس رضية، كأن شيئاًَ لم يكن
منهم، فلا يكون في نفس المدعو حقد على من آذاه، ولا رغبة بالانتقام ممن أضر
به، بل كلما أوذي عفا، وكلما تضرر سامح.
قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ} (آل
عمران: 134)
وقال r : " وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزاً" الحديث[27].
وسئل
رسول الله rعن أفضل الإيمان، قال: "الصبر والسماحة"[28].
وهذان خلقان
من أعظم أخلاق المسلم، فمن باب أولى أن يتحلى بهما الداعية.
ولا أدل على
ذلك؛ مما كان بين الأنبياء جميعاً وأقوامهم ، وما بين رسول الله محمد صلى
الله عليهم وسلم وقومه بخاصة.. فمع الأذى الكبير الذي أصابه ? وأصحابه رضي
الله عنهم من كفار قريش، كان شعارهم: العفو، وكانت سجيتهم التسامح.
وقصة
رسول الله r مع أهل الطائف الذين ردوه، وآذوه حتى أدموه، وسخروا منه
مشهورة معلومة[29].
فما زاده ذلك في دعوته إلا ثباتاًَ، وما زاده فيهم
إلا عفواً وإحساناً، وكان يردد في مثل هذه المواقف قولته المشهورة: "اللهم
اهد قومي فإنهم لا يعلمون"[30].
وموقفه r من أهل مكة يوم فتحها في العفو
عن أهلها الذين آذوه وصحبه أشد الإيذاء، أشهر من أن تسجل في مثل هذا
البحث، وقد سجلت في سجل التاريخ الإسلامي الخالد[31].
وقد عفا رسول الله
? عن الأعرابي الذي شد ثوبه حتى أثرت حاشيته في عنقه r [32].
وقصة الذي
أراد أن يقتل رسول الله r وهو تحت الشجرة معلومة، إذ جاء رجل من المشركين
وسيف رسول الله r معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول الله وقال من يمنعني منك؟
قال: "الله"، فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله r فقال: "من يمنعك مني؟"،
قال: كن كخير آخذ، قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟"، قال: لا، ولكني
أعاهدك أن لا أقاتلك... فخلى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابه، قال: قد جئتكم
من عند خير الناس... الحديث[33]
فانظر كيف عفا عنه، بعدما كاد أن
يقتله، وأصر على كفره.. فاللهم هب لنا فقها وعفواً.
وعفا.. وعفا... عليه
صلوات ربي وسلامه إلى يوم يبعثون.
والتحلي بالعفو والتسامح له ثمار
عظيمة، منها:
- طيب نفس الداعية، وانشراح صدره، فإن العفو والتسامح يجعل
النفس طيبة، مما يدفعها إلى مزيد من العطاء، ومزيد من الإقبال على الناس،
ولو كانوا من المؤذين، وعدم التسامح يبعث الكمد في النفس بالحقد، ويغري
القلب بحب الانتقام، الأمر الذي يدفع النفس إلى التراجع، ثم الانزواء عن
الناس، وعن الدعوة، وفي ذلك من الخسارة ماهو معلوم لكل عاقل.
- محبة
الناس للداعية، والإقبالُ عليه، بل والدفاعُ عنه.
- الأجر العظيم عند
الله تعالى.


الصفة الخامسة: التواضع والمخالطة:
كلما كان
الداعية محبوباًَ لدى المدعوين، كانت استجابتهم لدعوته أكبر، واجتماعهم
حوله أكثر.
ولا شيء يحبب الداعية إلى المدعوين كالتواضع، لذا أمر الله
به.. وحرم ضده وهو التكبر، ولا يظهر التواضع إلا بالاختلاط بالناس.. لذلك
أمر الله بهما.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ
رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (الكهف: 28)
وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ
لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً} (لقمان: 18).
وقال r: "لا
يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"[34]الحديث.
وقال
r: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه"[35] الحديث.
وكان ابن عمر يدخل السوق
لا يبيع ولا يشتري، لكن ليسلم على الناس، فكانوا إذا رأوه استبشروا،
وانكبوا عليه، يستفتونه فيفتيهم ويحل قضاياهم[36] .
ولا شيء يساعد في
نشر الدعوة، وتوسيع رقعتها، كالاختلاط بالناس، ومعرفة أحوالهم، والوقوف مع
متطلباتهم،ومدارسة مشكلاتهم.
لذلك قال رسول الله r: "المسلم الذي يخالط
الناس، ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على
أذاهم"[37].
وقد مضت سنة الأنبياء في تواضعهم، ومخالطتهم في معايشهم،
وفتح أبوابهم، وتوسعة صدورهم.
ولنا في رسول الله r الأسوة الحسنة، فكان r
يخالط أصحابه فيزوج عزبهم، ويعود مريضهم، ويتفقد أحوالهم، ويشيّع ميتهم،
ويعين فقيرهم، بل كان يعود المريض من أعدائه فقد عاد رسول الله r ابناً
ليهودي..، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي ? فمرض،
فأتاه النبي r يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو
عنده، فقال له: أطع أبا القاسم r، فأسلم، فخرج النبي r وهو يقول: "الحمد
لله الذي أنقذه من النار"[38].
وكانت الأَمَة تأخذ بيده بالمدينة
فيطاوعها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن كانت الأَمَة من أهل
المدينة لتأخذ بيد رسول الله r، فتنطلق به في حاجتها)[39].
فإن شئت أن
يكون طبيباً رأيته طبيباً، وإن شئت أن تراه مصلحاً بين الناس كان مصلحاً،
وإن شئت أن تجده بائعاً وشارياً كان كذلك.
وحسبك أن امرأة شكت إليه قلة
جماع زوجها[40].
وزار صاحباً له وكان في البيت غلام، قد حبس طيراً له في
قفص فمات، فحزن عليه، فقال له الرسول r مداعباً ومواسياً: "يا أبا عُمير..
ما فعل النُغَيْر؟!"[41].
فانظر - أيها الداعية وفقك الله - إلى هذا
الصنيع ما ألطفه، وإلى هذا التصرف ما أبدعه.. سيدُ الخلق.. وسيدُ الرسل..
وسلطانُ الدولة يداعب صبياً.. ويواسي ولداً.. في ماذا؟!.. في عصفور فقده..
فما أحرى العلماء والدعاة إلى مثل هذا الخلق.
وجاءه - مرة - رجل ليشكو
له انطلاق بطن أخيه، فأمره أن يسقيه عسلاً...، فعن أبي سعيد أن رجلاً أتى
النبي r فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقه عسلا" ثم أتى الثانية،
فقال:"اسقه عسلا"، ثم أتى الثالثة فقال:"اسقه عسلا"، ثم أتاه فقال: قد
فعلتr فقال: "صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا" فسقاه فبرأ[42].
فانظر
إلى هذا التواضع الجم، والمخالطة النافعة. أُيسأل رسول الله r سيد الخلق،
ورئيس الدولة- عن مرض يستحي المرء من إخبار الناس به.. أيداعب رسول الله ?
ولداً، ويزور خادماً، ويمشي مع جارية في حاجتها، وهو الرسول العظيم،
والقائد الكبير، والسلطان المهيب.
ذلكم هو التأديب الذي أدبه الله عز
وجل، ووعظه به قائلاً:
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}
(الحجر:88).
وحذره من مغبة الكبر، والجفاء مع المدعوين، فقال له: {وَلاَ
تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الأنعام: 52)
ولما اجتهد النبي r في مسألة عبد
الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه فعبس في وجهه، جاءه التأديب الرباني
{عَبَسَ وَتَوَلّىَ* أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ} [43](عبس: 1- 2)
فهل عاتب
رسول الله r- بعد ذلك - الأعمى، وهل وجد عليه.. أو اتخذ منه موقفاً.. إلا
موقف الإكرام والمحبة..
وانظر -يا رعاك الله- إلى هذا التواضع،
والمخالطة، وما كان لهما من أثر عظيم في نفوس أصحابه، صدقاً، وتربية،
وعملاً، جعلتهم خير أمة أخرجت للناس.
وليس ببعيد أن يعزى أسباب تلك
الفجوة بين الناس بعامة والشباب بخاصة من جهة، وبين العلماء والدعاة من جهة
أخرى، إلى انعزال بعض الدعاة والعلماء، وإغلاق أبوابهم، وعدم مخالطتهم
الناس، وتأففهم من الجلوس مع عوام الناس وفقرائهم، وحدثاء الأسنان، الأمر
الذي أحدث فجوة، تغلغل من خلالها الأفكار الفاسدة، والمناهج المنحرفة[44].
بينما
لو كان العالم الرباني مخالطاً للمدعوين، متابعاً للمتربين، لأدرك الأخطار
أول وهلة، ولعالج الانحراف حين حدوثه، كالطبيب المتابع لمرضاه، وأما إذا
أعرض الداعية أو المربي، وانعزل عن المدعوين، تفشى الداء، وصعب بعد ذلك
العلاج ، كالطبيب المهمل لمرضاه.


الصفة السادسة: حسن الخلق،
وطيب العشرة
أهمية حسن الخلق بعامة، وفي مجال الدعوة بخاصة:
لا توجد
صفة شخصية للإنسان أفضل من حسن الخلق، ولا صفة تحبب الناس به أعظم من طيب
العشرة.
فقد طبع الناس على حب حسن الخلق، ولو كان من كافر، وعلى كراهية
سوء الخلق، وعلى النفور من صاحبه، كائناً من كان.
قال تعالى: {وَلَوْ
كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:
159)
ولا يجد الإنسان مدخلاً لقلوب الناس، كما يجده في حسن الخلق، ولا
سبيلاً للاجتماع بهم والتآلف معهم، مثل طيب العشرة.
إن حسن الخلق تاج
الإنسان، وجماله المعنوي.


فاعلم وإن رُدِّيت بُرداً



ليس
الجمال بمئزر



ومناقبٌ أورثن حمداً



إن
الجمال معادن




وقال آخر:
ولا جديد لمن لا يلبس
الخُلُقا



البس جديدك إني لابس خُلُقي




فإذا
تحلى به الداعية، أضفى شعوراً من الارتياح في نفوس المدعوين، وقبولاً
كبيراً لدعوة صاحبه[45].
وكم قُبلت عند الناس دعوةٌ باطلة.. لتلبيس
صاحبها بنعومة ألفاظه، ولطف معشره، وكم ردت دعوة صحيحة لجفاف صاحبها، أو
لسوء خلقه!
وفوق ما لحسن خلق الداعية من أثر في قبول الدعوة، فإن لحسن
الخلق أثراً بالغاً في بناء المجتمعات، وصفاء قلوب أهلها، وهذه من مهمة
الدعاة إلى الله، والدعاة هم البناة الحقيقيون للمجتمعات.
والمجتمعات لا
تبنى بعقيدة مجردة عن الخُلُق، ويخطئ من يظن ذلك، فلا بد أن يواكب العقيدة
خلق يربط الناس، ويشد ما بينهم.
وإذا كانت العقيدة لَبنات المجتمع، فإن
الخُلُق ملاطها.
وبعبارة أخرى: إن التوحيد، والتقوى، والعبادة، والدعوة
المجردة عن الخلق، لا تؤلف جماعة، ولا تقيم مجتمعاً سعيداً، وإذا كان
الناس سينفضون عن رسول الله لو كان فظاً غليظاً -وحاشاه ? من ذلك- فمن باب
أولى أن ينفضوا عمن هو دونه.
ولهذا جاءت النصوص محذرة المسلمين بعامة،
والدعاة بخاصة من مغبة سوء الخلق، لما يجر من فساد على الدعوة بخاصة،
والمجتمع بعامة.
وللآية تفسيران جميلان:
الأول: أن شخصية النبي r
تتصف بالخلق العظيم.
والثاني: أن ما عليه النبي r من شريعة ومنهج،
ومعاملات ومسلك، هو خلق عظيم.
قال ابن عباس: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ
عَظِيمٍ} إنك على دين عظيم وهو الإسلام، وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي
والربيع، وكذا قال الضحاك وابن زيد[46].
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)
وقال
سبحانه: {الّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السّرّآءِ وَالضّرّآءِ وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ} (آل
عمران: 134)
وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله r أحسن الناس
خلقاً"[47] .
وسُئلت عائشة عن خلق رسول الله r فقالت: "كان خلقه
القرآن"[48].
قال العلماء معنى هذا: أن النبي r كان يتأسى بالقرآن، فما
من خُلق أُمر به في القرآن إلا فعله، وما من خلق نُهي عنه إلا انتهى
عنه[49].
طائفة من أقوال الرسول r في حسن الخلق:
يجدر بنا قبل مغادرة
هذا المبحث، أن نختمه بخاتمة مسك، بطائفة عطرة من أقوال رسول الله r ،
تبين أهمية حسن الخلق.
- فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي r قال:
"ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حَسَنٍ، وإن
الله ليبغض الفاحش البذيء"[50].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل
رسول الله r عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: "تقوى الله وحُسْنُ
الخُلُقِ"، وسئل عن أكثر ما يُدخِلُ الناس النار فقال: "الفَمُ
والفَرْجُ"[51](120).
-وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:"أكمل
المؤمنين إيماناً أَحْسَنُهُم خُلُقاً"[52].
- وعن أبي أمامة الباهلي
رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r: "أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن
ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان
مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خُلُقُهُ"[53].
وعن عائشة رضي
الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: "إن المؤمن ليدرك بحُسْنِ خُلُقِهِ
درجة الصائم القائم"[54] .


الصفة السابعة:حسن التصرف، وحكمة
الجواب ، والإعراض عن الجاهلين:
من البدهي أن يتعرض الداعية لمواقف
صعبة، ولإحراجات كثيرة، فالناس تتنوع مشاربهم، وتختلف مقاصدهم، وتتفاوت
أساليبهم.. فمنهم من يطلب الحق ويتجاوز في الأسلوب.. ومنهم من لا يحسن
السؤال والخطاب.. ومنهم من يتعنت.. ومنهم من يترصد الألفاظ.. ويُحَمِّلُها
مالا تحتمل.
ومنهم من يتعمد الإحراج، ويُبيِّتُ السوء.. لتشويه سمعة
الداعي، وقذفه بالتهم، لإرباك دعوته، وإشغاله عنها، حسداً وبغياً.
وقد
كان ذلك في عهد رسول الله r ويكون في كل عهد، ومع كل داعية.
أمثلة مما
حدث مع رسول الله من هذه المواقف:
حكم رسول الله r بين ابن عمته الزبير
ورجل، فكان الحُكْمُ لصالح الزبير.. فقال الرجل: أن كان ابن عمتك[55]. أي:
أحكمت له، لأنه ابن عمتك.. نعوذ بالله من سوء الظن، فما كان من النبي r إلا
أن شدد في الحكم، وأعرض عن التهمة.
ولما وزّع رسول الله r الغنائم، قال
له رجل يقال له : ذو الخويصرة: يا رسول الله اعدل - وفي رواية اتق الله -.
فقال
رسول الله r: "ويلك. ومن يعدل إن لم أعدل"[56]. ثم حذر النبي r منه ومن
أصحابه ولم ينتقم منه، نعوذ بالله من النفاق.
وشد أعرابي جبة رسول الله r
حتى أثرت حاشيتها في عنقه، طالباً وفاء دينه، فالتفت إليه رسول الله r ثم
ضحك، ثم أمر له بعطاء[57]. نسأل الله حسن المعاملة.
وقد كان رسول الله r
بهذه التصرفات الخلقية العظيمة يعطي دروساً تربوية في الأخلاق لأصحابه.
لذلك
يجب على الداعية أن يكون متنبهاً إلى هذا الأمر، منضبطاً في ألفاظه،
متوازناً في تصرفاته، وأن يكون حذراً، من أن يتصرف تصرفاً يعيق دعوته،أو
يتلفظ بألفاظ يستغلها المترصدون،ليجعلوا منها حديث المجالس، ووسيلة للتنفير
من الداعية، وهم عن سبيل الله يصدون، وهم يشعرون أو لا يشعرون.. ولا شك أن
هذا يؤثر على شخصية الداعية وعطائه، ويعرقل مسيرة دعوته، فخطأ الداعية
مضاعف، وتصرفاته مشاعة ، وكلماته مذاعة.
قواعد في حسن الإجابة ومعالجة
هذا الأمر:
الأولى: التريث في الإجابة، والتأني في التصرف، وعدم
الاستجابة لردود الفعل.
الثانية: ضبط النفس حين الغضب،وكبح جماح
الانتقام للنفس.
ويعين على ذلك:
استشعار خطورة توقف الدعوة، لأجل هذا
التصرف.. وتقديم حظ الدعوة على حظوظ النفس، واحتساب الأجر عند الله عز
وجل.
الثالثة: تقدير المصالح والمفاسد، وذلك بالتفكر في مقصود السائل،
والتبصر في الإجابة، والفهم العميق لمدلولها، والنظر في التصرف، وما ينتج
عنه من عواقب.
الرابعة: جواز الأخذ بالمداراة والتورية حين الحاجة
الملحة.
والمداراة طريقة مشروعة، لرفع الحرج، ودفع المفاسد، وهي: السكوت
عن قول الحق سكوتاً مؤقتاً لأجل التغيير، لا لأجل المداهنة.
أو هي
التلطف بالمخطئ دون مواجهة، وعدم مصارحته بحقيقة فعله، طلباً لمصلحة شرعية،
أو دفعاًَ لمفسدة أكبر، أو انتظار فرصة إصلاح أفضل.
والسكوت عن قول
الحق لا يعني: جواز قول الباطل، أو المداهنة فيه.
والقاعدة في ذلك: إذا
كنت لا تستطيع قول الحق فلا تقل الباطل.
والتورية شعبة من شعب المداراة.
وهي:
أن يقال كلام حق يقصد به شيء، ويفهم منه شيء آخر، ولا يتعارض ظاهر الكلام
مع مقصوده[58]. ويُشترط أن لا يُفهم من التورية باطلٌ، وإنما كلام يقال، لا
يجلب مفسدة، بل يدفع مضرة.
الخامسة: الإجابة بصورة مجملة أو مشروطة،
كمن يسأل: إذا أمرنا السلطان بأمر هل نطيعه؟ فيقول: إن أمرك السلطان بشرع
وعدل فأطع،وإن أمرك بمعصية وظلم فلا تطع.
السادسة : الإعراض والسكوت قال
تعالى : {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}
(الفرقان/63) وقال r "رحم الله امرأً قال خيراً أو سكت"
أمثلة من أجوبة
النبي ? الحكيمة، وتصرفاته الحسنة.
لقد كان رسول الله r أسوةً عظيمة، في
حسن التصرف، وحكمة الجواب، فكل أجوبته حكيمة، وكل تصرفاته عظيمة، فمن ذلك:
أن
أعرابياً قال لرسول الله r: "متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددتَ
لها؟"، قال: ما أعددتُ لها من كثير صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكني أحب
الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت"[59].
فانظر إلى هذا الجواب الحكيم،
وكيف صرف رسول الله السائل عما لا ينفعه إلى ما ينفعه.. دون أن يشعر
السائل.
فلو قال له رسول الله r: لا أعلم متى يوم القيامة، فلربما وقع
في نفس الأعرابي ما وقع، ولربما قال ما قال.. لقرب عهده بالجاهلية، أو
لجهله.
فكان من الحكمة صرف الأعرابي عن سؤاله الذي لا ينفعه جوابه، إلى
جواب ينفعه في دينه وآخرته، وينفع الأمة من بعده، فقال له عليه الصلاة
والسلام: "وما أعددتَ لها؟؟".
فانصرف الأعرابي عن سؤاله.. وانشغل بما
ينفعه عما لا ينفعه. فصلى الله وسلم عليه ما أحسنه من معلم!!
ولما بال
الأعرابي في المسجد، وهمّ أصحاب النبي r به، ومنعهم رسول الله r، قال
الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، قال له r: "لقد
تحجرتَ واسعاً"[60] بدل أن يقول له: "لقد قلت باطلاً". فما أعظمه r من
مربٍّ!؟
ولما طالبه أحدهم بقضاء الدين فأغلظ، فَهَمَّ به أصحابه، فقال
رسول الله r: "دعوه فإن لصاحب الحقِّ مقالاً" ثم قال: "أعطوه سِنّاً مثل
سِنِّه"، قالوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سِنِّه، فقال: "أعطوه..
فإن من خيركم أحسنكم قضاء".[61]
ففي قوله r "دعوه فإن لصاحب الحق
مقالاً" تهدئة لنفسية المطالب الثائرة، إذ أحس أن رسول الله r يُقِرُّ له
بحقه... ولما سمع بقضائه جملاً أفضل من جمله، انطفأت ثورته تماما وهدأ،
فصلى الله عليه وسلم ما أطيبه عِشْرَة.
ولو أردنا أن نتتبع تصرفات النبي
r، وأجوبته، لطال بنا المقام عن المقصود.
ومن أجمل ما يُروى في حُسْن
الجواب عن بعض الحكماء: أن خليفة رأى في المنام: أن أسنانه وأضراسَه كلَّها
سقطت، فسأل مُعبِّراً، فقال له: يا أمير المؤمنين: كل أهلك وأقربائك
يموتون قبلك. فحزن الخليفة حزناً شديداً.. فسأل مُعبِّراً آخر: فقال
المعبِّر: يا أمير المؤمنين هون عليك... إن تأويل الرؤيا: ((أنك أطول أهلك
عمراً))، فسُر الخليفة، وفرج عنه.
والمتأمل للجوابَيْن: يجدهما بمعنى
واحد، غير أن الأول: لم يكن حكيماً في جوابه، مع صوابه.. وا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـــنـــه

مـديـر عـَــام
مـديـر عـَــام
جـــنـــه


انثى
مـسـاهـمـَـاتـك : 14122
سـنــك : 41
مـوقـعـَـك : ملتقى دريم
عـَـمـلـك : لا اعمل
هـوايـتـك : القراءة
سـجـلـت إمـتـى : 20/12/2007

أهم صفات الداعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: أهم صفات الداعية   أهم صفات الداعية Emptyالإثنين مايو 31, 2010 11:26 pm

بارك الله فيك محمود و أهم صفات الداعية 57011

أهم صفات الداعية 156735 ويجزيك كل خير يارب على موضوعك الجميل

وربنا يجعله فى ميزان حساناتك

أهم صفات الداعية 652383
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أهم صفات الداعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صفات نساء الجنه
» صفات ياحواء مش كلها حلوة
» صفات النبي صلى الله عليه وسلم
» افتراضي صفات يحبها الله في عبده
» اربع من صفات قوم لوط ,, موجوده حالياً بين شبابنا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ملتقيات دريم الاسلاميه :: ملتقى القرآن الكريم وتفسيره-
انتقل الى: