الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
لم يتضح من السؤال ما إذا كان عقد الزواج قد تم في أحد البلاد الإسلامية وفق قانونها الشرعي، ثم انتقلتم للإقامة في أوروبا، أو ما إذا كان العقد قد تم أصلاً وفق القانون المدني في أوروبا.
في الحالة الأولى، يمكن للزوجة التي تملك العصمة بيدها أن تطلق نفسها من زوجها، وينفذ طلاقها فوراً، ويجب عليها إبلاغ محكمة بلدها لتنفيذ هذا الطلاق رسمياً.
أما في الحالة الثانية، أي إذا تم عقد الزواج وفق القانون المدني في إحدى الدول الأوروبية، فإن الزوجين ملتزمان بموجب أحكام القانون المدني، لأنّ العقد الذي التزما به يخضعهما لهذا القانون. وهما ملزمان بالأحكام الشرعية باعتبارهما مسلمين.
بناء على ذلك أقول:
1- إن القوانين المدنية الأوروبية لا تعرف إعطاء الزوجة عصمتها بيدها، لأنها أصلاً لا تعطي الزوج حق الطلاق حتى يعطيه لزوجته. جميع هذه القوانين تنتزع حق الطلاق من الزوج وتعطيه للقاضي، وقد رضي الزوجان بذلك عندما عقد زواجهما وفق هذا القانون. وهذا يعني أن الزوج تنازل عن حق الطلاق الذي يعطيه إياه الشرع، وأوكله إلى القاضي، وهو أمر جائز له شرعاً. وبالتالي فإنه لا يصح له أن يعود ليعطي العصمة لزوجته، لأنه أصلاً لم يعد يملك هذه العصمة، وإذا أعطاها فقوله لا معنى له ولا اعتبار.
2- إذا طلّق القاضي في أوروبا الزوجين المسلمين بناء على القانون الأوروبي، وكان عقدهما قد عقد وفق هذا القانون، فحكمه نافذ بحق الزوجين. هذا ما أفتى به المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، ونص فتواه (الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاضٍ مسلم أو من يقوم مقامه. غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه يتعين على المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق قوانين هذه البلاد، تنفيذ قرار القاضي غير المسلم بالطلاق، لأن هذا المسلم لما عقد زواجه وفق هذا القانون غير الإسلامي، فقد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي. وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك، لأن القاعدة الفقهية تقول: (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً).
وتنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز، من باب جلب المصالح ودرء المفاسد، وحسماً للفوضى، كما أفاده كلام غير واحد من حذّاق العلماء كالعز بن عبد السلام وابن تيمية والشاطبي) انتهى قرار المجلس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.