في حكم التصوير
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
السؤال : ما قولكم في حكم التصوير الذي قد عمت به البلوى وانهمك فيه الناس ؟ تفضلوا بالجواب الشافي عما يحل منه وما يحرم . أثابكم الله تعالى .
الجواب : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصوير كل ذي روح ، آدميا كان أو غيره ، وهتك الستور التي فيها الصور ، والأمر بطمس الصور ، ولعن المصورين وبيان أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة ، وأنا أذكر لك جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب ، وأذكر بعض كلام العلماء عليها ، وأبين ما هو الصواب في هذه المسألة إن شاء الله .
ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى
(الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 363)
الله عليه وسلم - قال الله تعالى : صحيح البخاري التوحيد (7120) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2111) ، مسند أحمد بن حنبل (2/232). ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة لفظ مسلم .
وفيهما أيضا عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري اللباس (5606) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2109) ، سنن النسائي الزينة (5364) ، مسند أحمد بن حنبل (1/375). إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون .
ولهما عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري اللباس (5607) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2108) ، سنن النسائي الزينة (5361) ، مسند أحمد بن حنبل (2/55). إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم لفظ البخاري .
وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة - رضي الله تعالى - عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح البخاري اللباس (5617) ، مسند أحمد بن حنبل (4/308). نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول صحيح البخاري اللباس (5618) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2110) ، سنن النسائي الزينة (5358) ، سنن أبو داود الأدب (5024) ، مسند أحمد بن حنبل (1/241). من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ متفق عليه .
وخرج مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني رجل أصور هذه الصورة فأفتني فيها ، فقال له : ادن مني . فدنا منه ، ثم قال : ادن مني ، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه فقال : أنبئك بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : صحيح مسلم اللباس والزينة (2110) ، مسند أحمد بن حنبل (1/308). كل مصور في النار ويجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم وقال : صحيح البخاري البيوع (2112) ، مسند أحمد بن حنبل (1/308). إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له صحيح مسلم بشرح النووي ج 14 ص 93 طبعة دار الفكر ببيروت . .
وخرج البخاري قوله : صحيح البخاري البيوع (2112) ، مسند أحمد بن حنبل (1/308). إن كنت لا بد فاعلا إلخ في آخر الحديث الذي قبله بنحو ما ذكره مسلم .
وخرج الترمذي في جامعه ، وقال حسن صحيح عن أبي الزبير عن جابر رضي
(الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 364)
الله عنه قال : سنن الترمذي اللباس (1749) ، مسند أحمد بن حنبل (3/335). نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصورة في البيت ، ونهى أن يصنع ذلك .
وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : صحيح مسلم اللباس والزينة (2107). دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل ، فلما رآه هتكه وتلون وجهه ، وقال : " يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله " قالت عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين رواه مسلم صحيح مسلم بشرح النووي ج 14 ص 89 .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : صحيح البخاري اللباس (5610). قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيه تماثيل ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه وقال : أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله . قالت : فجعلناه وسادة أو وسادتين خرجه البخاري ومسلم ، وزاد بعد قوله صحيح مسلم اللباس والزينة (2107). هتكه : وتلون وجهه . اهـ .
وعنها قالت : صحيح البخاري اللباس (5611). قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفر وعلقت درنوكا فيه تماثيل ، فأمرني أن أنزعه فنزعته . رواه البخاري ورواه مسلم بلفظ : وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة ، فأمرني فنزعته .
وعن القاسم بن محمد صحيح البخاري اللباس (5612) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107) ، مسند أحمد بن حنبل (6/246) ، موطأ مالك الجامع (1803). عن عائشة أيضا قالت : اشتريت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية . قالت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ؛ ما أذنبت ؟ قال : ما بال هذه النمرقة ؟ فقالت : اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة . رواه البخاري ومسلم . زاد مسلم من رواية ابن الماجشوني قالت : صحيح مسلم اللباس والزينة (2107). فأخذته فجعلته مرفقتين ، فكان يرتفق بهما في البيت .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
(الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 365)
صحيح البخاري بدء الخلق (3144) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2106) ، سنن الترمذي الأدب (2804) ، سنن النسائي الزينة (5348) ، سنن ابن ماجه اللباس (3649) ، مسند أحمد بن حنبل (4/30). لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة . متفق عليه . واللفظ لمسلم .
وخرج مسلم عن زيد بن خالد عن أبي طلحة مرفوعا قال : صحيح مسلم اللباس والزينة (2106). لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل .
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم اللباس والزينة (2105) ، سنن النسائي الصيد والذبائح (4276) ، سنن أبو داود اللباس (4157) ، مسند أحمد بن حنبل (6/330). أن جبريل عليه السلام قال : لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة .
وخرج مسلم عن عائشة وميمونة مثله .
وخرج مسلم أيضا عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي - رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته . وخرج أبو داود بسند جيد عن جابر - رضي الله عنه - سنن أبو داود اللباس (4156) ، مسند أحمد بن حنبل (3/335). أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح ، وهو بالبطحاء ، أن يأتي الكعبة فيمحوا كل صورة فيها ، فلم يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى محيت كل صورة فيها .
وخرج أبو داو الطيالسي في مسنده عن أسامة قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة ورأى صورا ؟ فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول : قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون قال الحافظ : إسناده جيد .
قال : وخرج عمر بن شبه من طريق عبد الرحمن بن مهران ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو ، فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول : قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون اهـ .
وخرج البخاري في صحيحه عن عائشة : صحيح البخاري اللباس (5608) ، سنن أبو داود اللباس (4151). أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه . رواه الكشميهني بلفظ " تصاوير " وترجم عليه البخاري - رحمه الله - بـ " باب نقض الصور " وساق هذا الحديث .
(الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 366)
وفي الصحيحين عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صحيح البخاري بدء الخلق (3054) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2106) ، سنن أبو داود اللباس (4155) ، مسند أحمد بن حنبل (4/30). إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة . قال بسر : ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة ، فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول ؟ فقال عبيد الله : ألم تسمعه حين قال : إلا رقما في ثوب ؟ وفي رواية لهما من طريق عمرو بن الحارث عن بكير الأشج عن بسر ، فقلت لعبيد الله الخولاني : ألم يحدثنا في التصاوير ؟ قال : إنه قال : إلا رقما في ثوب . ألم تسمعه ؟ قلت : لا . قال : بلى قد ذكر ذلك .
وفي المسند وسنن النسائي عن عبيد الله بن عبد الله أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده فوجد عنده سهل بن حنيف ، فأمر أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته ، فقال له سهل : لم تنزع ؟ لأنه فيه تصاوير ، وقد قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد علمت . قال : ألم يقل إلا رقما في ثوب ؟ قال : بلى ، ولكنه أطيب لنفسي اهـ . وسنده جيد وأخرجه الترمذي بهذا اللفظ ، وقال : حسن صحيح .
وخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الأدب (2806) ، سنن أبو داود اللباس (4158) ، مسند أحمد بن حنبل (2/305). أتاني جبريل فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل ، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، وكان في البيت كلب ، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ، ومر بالكلب فليخرج ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا بالكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج . هذا لفظ أبي داود ، ولفظ الترمذي نحوه ولفظ النسائي : سنن النسائي الزينة (5365). استأذن جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ادخل ) فقال : كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير ؟ فإما أن تقطع رءوسها أو تجعل بساطا يوطأ ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير . اهـ .
وفي الباب من الأحاديث غير ما ذكرنا كثير ، وفي هذه الآحاديث وما جاء في معناها دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل
(الجزء رقم : 17، الصفحة رقم: 367)
ذي روح ، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار .
وهي عامة لأنواع التصوير سواء كان للصورة ظل أم لا ، وسواء كان التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين ما له ظل وغيره ، ولا بين ما جعل في ستر أو غيره بل لعن المصور ، وأخبر أن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة ، وأن كل مصور في النار وأطلق ذلك ولم يستثن شيئا .
ويؤيد العموم أنه لما رأى التصاوير في الستر الذي عند عائشة هتكه وتلون وجهه وقال : صحيح البخاري اللباس (5610) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107) ، سنن النسائي الزينة (5356) ، مسند أحمد بن حنبل (6/219). إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ، وفي لفظ أنه قال عندما رأى الستر : صحيح البخاري النكاح (4886) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107) ، مسند أحمد بن حنبل (6/246) ، موطأ مالك الجامع (1803). إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم فهذا اللفظ ونحوه صريح في دخول المصور للصور في الستور ونحوها في عموم الوعيد .
وأما قوله في حديث طلحة وسهل بن حنيف صحيح البخاري اللباس (5613) ، سنن النسائي الزينة (5349) ، موطأ مالك الجامع (1802). إلا رقما في ثوب فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير ، وذلك واضح من سياق الحديث ، والمراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب ونحوه يبسط ويمتهن ، ومثله الوسادة الممتهنة ، كما يدل عليه حديث عائشة المتقدم في قطعها الستر ، وجعله وسادة أو وسادتين . وحديث أبي هريرة وقول جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الأدب (2806) ، سنن النسائي الزينة (5365) ، سنن أبو داود اللباس (4158) ، مسند أحمد بن حنبل (2/305). فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .